Admin المدير العام
عدد المساهمات : 39 نقاطي : 595561 تاريخ التسجيل : 25/04/2011
| موضوع: الثورة وأبناؤنا ورأي الإسلام "وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ" الأربعاء أبريل 27, 2011 2:33 am | |
|
الثورة وأبناؤنا ورأي الإسلام "وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ" تدور في واقعِنا اليوم أسئلةٌ كثيرة تتردَّد على الألسنة، أو تمور في الصدور ، وكثير مِن هذه الأسئلة تكون صدًى لهجمة أهلِ الكتاب والمشركين على دار الإسلام ، بأفكارِهم وجُنودهم وسلاحهم ، ومؤسَّساتهم وانحرافاتهم وفُحْشهم ، لقد انتشرت كلمة الثورة في واقعنا المعاصر انتشارًا واسعًا ، لم يحْدُثْ مثله في تاريخنا السابق ، ويغلب على الظنِّ أنَّها جاءتْ صدًى لبعض الكلمات الأجنبية ، تحملها الحركاتُ القوميَّة واليسارية ، شأنها في ذلك شأن كلمات أُخرى انسلَّت في واقعنا مع الغزو والعدوان ، ومع بذورِ الحركات اللا دينية ، فتلقَّفَها الناسُ في أجواء محمومة من العاطفة والهيجان . وكلمة (ثورة) تعني : الهيجان والوثوب ، وهي قريبةٌ لكلمة (Revolution) في اللغة الإنجليزية ، وربَّما استُعمِلت أولاً في وصْف بعضِ الحَرَكات في أوروبا وأمريكا وروسيا وغيرها ؛ مثل: الثورة الفرنسيَّة، والثورة الشيوعيَّة، وغيرهما. ولقد امتدَّ انتشارُها حتى أصبحتْ تُستخدم بدلاً مِن كلمة (الجهاد) ، الكلمة التي حدَّد منهاجُ الله ، قرآنًا وسُنةً ولُغة عربية ، معناها وظلالها وآفاقها وممارستها ، ولكن ستظلُّ كلمة (الجهاد) هي الكلمةَ الطيبة المحبَّبة لنفوس المؤمنين ، مع كلِّ ما تحمل مِن عظمة الأمانة والتكليف، ودِقَّة النهج والأسلوب، وجلال الأهداف وطهارة النيَّة، على خُطًى مدروسة، بعيدًا عن الهيجان والاضطراب غير الواعِي. غلبتْ لفظة (الثورة) على تفكيرِ قطاع مِن المسلمين، حتى اختلطتْ عندهم هذه اللَّفْظة مع كلمةِ الجِهاد، ورأى فريق منهم أنَّ الإصلاح يبتدئ بالثورة، وعاب هذا الفريقُ على مَن يريد أن يأخذَ بنصيبٍ مِن التربية والبناء والنهج والتخطيط، وفريق آخر رَأى أنَّ الإصلاح تربية وبناء في عمل ساكن لا يحمل معه الهدف والغاية، ولا المتابعة والاستمرار، ولا النهج المدروس والخطَّة الواعية؛ طرفان متناقضان : طرَف يمثِّل الهيجان والاضطراب، وطرَف يُمثِّل السكون والهمود ، ويدور الجدال حول هذه القضية، ويتساءل الناسُ : أي الرأيين أصح وأجْدَى ؟ وحين نردُّ هذه القضيةَ إلى منهاج الله ، نرى أولاً أنَّ الإسلام لا ينظر إلى هذه القضية على أنَّها قضية شعْب محدود في زمن محدود، بل إنَّها قضية الشعوب كلِّها والعصور كلها، إنها قضية الإنسان في حياته الدنيا ، هكذا يعرضها القرآن الكريم والسُّنة النبويَّة، وهذا هو جوهرُ رِسالة الأنبياء والمرسَلين على امتداد التاريخ البشَري. هذا مِن ناحية، ومِن ناحية أخرى فإنَّها لا بدَّ أن تخضع لمنهاج متكامِل متناسق؛ حتى تُحقِّقَ هذا البُعد الإنساني بامتداده وشموله، فلا يُعقل إذًا أن يَعرض الإسلام حلَّ قضايا الإنسان بالهيجان والاضطراب وردود الفعل الآنية، ولا بالعمل التربوي الخامِد الذي فَقَدَ النهج والأهداف، والنمو والتطور. إنَّ الإسلام يَعرِض منهجًا متكاملاً متناسقًا يحلُّ به الإنسان قضاياه في ميادينه المختلفة، ويظلُّ الإنسان هو المسؤول عن مدَى تطبيقه لهذا المِنهاج الربَّاني في واقِعه، ومدَى قُدرته على تحمُّل الأمانة والوفاء بالعَهْد؛ لتمثل (الطاقة البشرية) (خير أمة أخرجت للناس)، ولتكون (خير البرية). إنَّه المنهاج الربَّاني المعجِز بتكامله وترابطه وتناسُقه، يُؤخَذ كُلُّه في حياة الإنسان، دون أن يتعطَّل جزءٌ منه أو أجزاء، ودون أن تتعطَّل مرحلة على حساب مرحلة أخرى، أو هدف على حساب هدَف آخَر، ولكنَّه عملٌ وجهد وجهاد، يقوم به الإنسانُ؛ ليحقِّق في واقعه معنى العبودية لله، ومعنى العِزَّة للمؤمنين، ومعنى صلاح حياة الإنسان على الأرْض. إنَّه جهادٌ في سبيل الله ، جهاد يحمل كلَّ الظلال والامتداد، كل معاني النَّهْج الحق والأهداف الصادقة، والوعي والنِّية الخالِصة لله، على درْبٍ ممتدٍّ إلى الجنة، إنَّه دعوةٌ وبلاغ، ونهج وتخطيط، وبناء وتربية، وقِتال حق لا ظُلمَ معه. إنَّ الجهاد في سبيل الله يَمضي ، والمؤمنون يَرْجون النصر من عندَ الله، ولكن النصر مِن عند الله يتنزل برحمةِ الله على عباده المؤمنين حين يتوافَر فيهم صِدق العبوديَّة لله، وعِزَّة الإيمان والتوحيد، وحين ينظُر الله إلى قلوبهم، فيَرَى الصِّدْق والإخلاص والخصائص الربَّانيَّة التي أمَر الله بها، والتي رَبَط الله نصرَه لهم بتوافُرها فيهم. إنَّ النصر من عندَ الله ، إنَّها الحقيقة القرآنيَّة، وإنَّ النصْر وعدٌ مِن الله لعباده المؤمنين، وعهدٌ مِن الله لهم، يُوفي لهم الله بذلك إنْ هم أوفوا بعهدهم، والوفاء هو أن تتحقَّق فيهم الخصائصُ الإيمانية الحقيقيَّة التي أمر الله بها، حتى يراها الله فيهم، وأن تتحقَّق هذه الخصائص فيهم بجُهدهم البَشَري الذي يبذلونه طاعةً لله وعبادةً له، وبهداية الله للصادقين العامِلين. إنَّ توافر هذه الخصائص هو مهمَّة التربية والبناء ، والتدريب والنَّهْج والتخطيط ،
* وكيف يصحُّ جهادٌ أو يتنزَّل نصْر إذا لم تتوافَرْ هذه الخصائص الربَّانية في العاملين ؟! * وكيف يصحُّ جهاد إذا انحصر الجهاد في مرحلة محدودة وميدان مخنوق ، ولم يمتدَّ امتدادَ المنهاج الربَّاني في الحياة ؟! * وكيف يَصدُق جهاد في فُرْقة وشِقاق، وجهل ونِفاق، وجَرْيٍ لاهث وراءَ الدنيا وشهواتها تُخفيه مظاهر وزخارف، أو انحصر في قِتال عسكري لا دعوةَ فيه ولا بلاغ ؟! * كيف نطلُب من الناس أن يتدبَّروا كتابَ الله، ثم نقول لهم : ناموا ولا تحملوا رسالةَ الله إلى الناس ، ولا تُجاهِدوا في سبيل الله، ولا تقاتلوا أعداءَ الله الذين يقاتلونكم أو يصدُّونكم عن دِينِ الله، أو يمنعون دعوةَ الله مِن أن تمضي في الأرض ؟! * كيف تصحُّ تربية لا تجعل المؤمنين أُمَّةً واحدة في الأرض، ولا تجعل الأمَّةَ تحمل رسالةَ ربِّها إلى الناس كافَّة، فتجاهد في سبيلِ الله، على نهج جلي رَسَمه الله لعباده المؤمنين ؟! * كيف تَصِحُّ تربية إذا نكَصَتِ النفوس عن أمانتها، ورَضِيت بذِلَّتِها وهوانها، ونسيتْ أنَّ العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ؟! * كيف تَصِحُّ تربيةٌ إذا هانتِ العزائم، وجَرَتْ لاهثةً وراء الدنيا وزخرفها، وتركتْ ديار المسلمين يتناهبها أعداءُ الله، وأحاطت ذلك بفلسفات ونظريات ومراء، وبشقاق ونزاع، يُسوِّغ العجز والهوان، ويغذي الفِتنة والشهوات ؟!
إنه إذًا منهاج الله بتكامله وتناسقه : إيمانًا ويقينًا، وعِلمًا وتصديقًا، وممارسةً إيمانيةً واعية، تنمو مع الأيام خِبرة وحِكمة ومِرانًا. إنَّه بعد ذلك، النهج الواعي الذي تَضعه الطاقةُ البشرية على أساسٍ من منهاج الله والواقِع؛ ليبِّين النهج تفصيلَ الدرب وتفصيل الأهداف، عن وعي صادق للواقِع الذي تردُّه إلى منهاج الله. إنَّه جهادُ أمَّة متماسكة كالبنيان المرصوص ، تتواصَل فيها الأجيال، وتتلاحَم الجهود، وتزكو الخُطوات بين بذْل وابتلاء وصَبْر، وبُشْرى مقبلة ونصر، ورحمة واسِعة مِن الله - سبحانه وتعالى - على نهْج محدَّد متكامل، وأهداف واضِحة وجليَّة، ودرْب ممتد إلى الجنة. إنها ليستْ ثورةً هائجة مضطربة ، ولا تربية ميِّتة هامدة، إنَّه منهاج ربَّاني متكامِل يُحمِّل الإنسانَ مسؤوليةَ ممارستِه في الواقع البشري، في العصور كلها، في الأجيال كلها، فإذا أوْفى الإنسان بذلك أوْفى الله له بعهده، إنَّه يربط الدنيا بالآخرة : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} النور: 55 فهما شَرْطان وضعَهما الله لمَن أراد التمكين لهم في الأرْض على أساس الإيمان والتوحيد، ولمَن أراد أن يستخلف على قوَّة وأمن، هذان الشرطان هما: {الَّذِينَ آمَنُوا} ، وكذلك {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ، فهما إذًا صِدق الإيمان والتوحيد، والعمل الصالح في الأرض، ولقد فصَّل منهاجُ الله كلاًّ من هذين الشرْطين تفصيلاً واسعًا؛ حتى لا تبقى حُجَّة لمتوانٍ أو مسوغ لمدَّعٍ باطلاً؛ ولذلك وضَّح لنا - سبحانه وتعالى - أنَّ إنجازه لوعده معلَّق على وفاء المؤمنين بعهدِهم مع الله : {... وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} البقرة: 40 إنَّ الله - سبحانه وتعالى - جعَل الرِّزقَ والأَجَل مُحدَّدَيْن لكلِّ إنسان ؛ حتى لا تشغل همومُ الرِّزق ولا خشية الموت مؤمنًا عن طاعة الله، وكذلك جعَل الله النصرَ مِن عنده؛ حتى يضعَ المؤمنون جهودهم في نُصرة الله ونُصرة دِينه وإعلاء كلمته والوفاء بعهده ، فلا يتوهَّم أحدٌ أنَّ النصر يدركه الناس بجهدهم الخاص ، وسعيهم البشري فحسب، إنَّما النصر من عند الله في كلِّ حال، ويعرض لنا كتاب الله ثلاثَ صُور لذلك، فإما أن يكونَ الصِّراع بين ظالمين؛ فيولِّي الله بعضَهم بعضًا بما كانوا يكسبون : {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} الأنعام: 129. وإمَّا أن يكونَ بين المؤمنين والظالمين، فإنْ أوفى المؤمنون بعهدهم مع الله ونَصروه بعدَ ابتلاء وتمحيص منه - سبحانه وتعالى - أوْفَى الله لهم بعهده ونَصَرهم؛ {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ...} محمد: 4. ويأتي النصر مِن عندَ الله بعد الابتلاء؛ {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} غافر: 51، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}محمد: 7. ويؤكِّد الله - سبحانه وتعالى - هذه الحقيقةَ في آيات متعدِّدة مع ظلال ممتدة، فلم يجعلْ نزول الملائكة في غزوة بدر هو سبب النصر، وإنما حصر النصرَ - سبحانه وتعالى - به وحده: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الأنفال: 10. وتتأكَّد هذه الحقيقةُ في آية بعدَ آية، حتى يطمئنَّ المؤمنون إلى نصر الله إنْ صدقوا الله وأوفوا بعهدهم له ؛ {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} آل عمران: 126. وإمَّا أن يكونَ الصِّراع بين المؤمنين أنفسهم، حين يستزلَّهم الشيطانُ إلى فِتنة يقعون في لهيبها، فيعرض القرآن الكريم أسلوبَ العلاج الحق الذي يُنجي المؤمنين من الفِتنة، أو يكشف أهلَ الفِتنة والبغي الذين لا يخضعون لمنهاج الله ؛ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الحجرات: 9 - 10. فالقضية إذًا ليستْ قضية ثورة أو تربية فحسب ، إنَّها قضية إيمان وتوحيد ، وقضية عِبادة كامِلة لله - سبحانه وتعالى - وقضية منهاج ربَّاني متكامِل متناسِق ، وقضية نهْج ممتدٍّ، وخُطَّة متكاملة، لا ارتجال معهما ولا ردود فِعل، ولا مواقف آنيَّة تَفرِضها لحظات ضعف واستخذاء، أو لحظات طغيان وبغي وعدوان. إنَّ النهج والخُطَّة يحملان معهما الأهداف المرحلية الواعية، والأهداف الثابتة على درْبٍ ممتد إلى الهدف الأكبر والأسمى، إنَّها الجنَّة ، إنها أولاً قضية الإيمان والتوحيد والدعوة إلى الله ورسوله، مِن دُعاةٍ صَدَق إيمانهم، وتوافَر زادهم، وعظم بذلهم. وإنَّها قضية بناء وتربية ، وإعداد وتدريب؛ ليتكوَّنَ الجيلُ المؤمن الذي تتوافَرُ فيه الخصائص الربانيَّة التي فصَّلها منهاج الله، والتي بتوافرها يمكن أن ينزل نصر الله، الجيل الذي استكمل عُدَّته والقُدْرة على متابعة تحقيقِ سائر الأهداف الثابِتة للدعوة الإسلامية على طريقٍ ممتدٍّ إلى الهدف الأكبر الأسمى - الجنة. فالنهج الذي يجب أن تضعَه الطاقةُ البشرية بناءً على إيمانها وتوحيدها ، وبناءً على المنهاج الربَّاني ، وبناء على الواقِع الذي تعمل فيه وتردَّه إلى منهاجِ الله ، هذا النهج يجب أن يسعَى لتحقيقِ هدفين في وقت واحد، هدفين كبيرين يجمعان سائرَ الأهداف فيهما، هذان الهدفان هما: النجاة في الدنيا : {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} الأعراف: 165 وكذلك النجاة في الآخِرة برحمة الله. فلا بدَّ لنهج المؤمنين في واقعِهم أن يسعى لتحقيقِ هذه النجاة، وتلك النجاة في الدَّارين، وبغير هذا التصوُّر يتفلَّت الإنسانُ بجهوده وتصوُّراته في متاهةٍ واسعة، وتغلبه أحلامُ الدنيا وأمانيها عندَما تنفصل في نهجِها عن الدار الآخِرة وسبيل النجاة فيها. والنجاة في الدار الآخرة أمرٌ يسعى له كلُّ مؤمن صادق ، لا يُغني فيها مولًى عن مولًى شيئًا، وهي مهمَّة تنطلق الدعوةُ الإسلامية لتحقيقها؛ ولتكونَ هي هدفها الثابت الأوَّل في مسيرتها ونهجها، لتدعوَ الناسَ دعوة الحق والصِّدق إلى الله ورسوله، إلى الإيمان والتوحيد، ولتتعهد المؤمنين حتى لا يُفتَنوا، ولتمدهم بالرِّعاية والغذاء والبناء، حتى يتكوَّنَ الجيلُ المؤمِن الذي يستطيع أن يتابع مسيرة الدعوة الإسلاميَّة ويحقق أهدافها كلها. وعلى أساس هذا التصوُّر لم تَعُد القضيةُ قضية ثوْرة ولا قضية تربية فحسب ، ولكنَّها قضية نهْج متكامِل في مراحله وخُطواته وأهدافه، يتكامَل نظريًّا وعمليًّا في ممارسة إيمانيَّة متكاملة في الواقِع البشري. وهذه الممارسة الإيمانيَّة يجب أن تحملَ النهج المتكامِل والتخطيط المتناسِق، وليحمل النهج عناصرَه الكاملة المتناسقة، والمراحِلَ المترابطة، والأهداف الربَّانيَّة الجليَّة المحدَّدة: نية صادقة ممتدَّة واعية، وعزيمة ماضية قويَّة، ودرب تتكامل تفصيلاتُه وخُطواته، وأهداف يسعَى لها المؤمنون على دَرْبهم إلى الجَنَّة. ونُوجز ما عرضْناه في نِقاط محدَّدة للتذكير والتأكيد:
1- إنَّ القضية أولاً هي قضيةُ مِنهاج ربَّاني متكامِل متناسِق، يُؤخَذ كلُّه على تكامله وتناسقه، فلا يُؤخَذ منه جزءٌ ويُترَك جزء. 2- إنَّها كذلك قضيةُ نهْج ممتدٍّ وخُطَّة متكاملة، يضعها المؤمِنون على أساس مِن منهاج الله والواقع، يحملان معهما النِّيةَ الصادقة الممتدة مع الدَّرْب كله، وتفصيلات الدَّرْب والوسائل والأساليب والأهداف، في صُورة تبرز التكامُل والتناسُق، والمراحل المتماسِكة والأهداف الجليَّة. 3- إنَّ هذا النهجَ والخطة يجب أن يُوفِّرَا فرصةَ النجاة في الحياة الدنيا من الفِتنة والانحراف للفَرْد المسلِم والجماعة والأمَّة، ويُوفِّرَا فرصة النجاة مِن عذاب الله في الآخِرة، إنَّهما هدفانِ كبيرانِ متلازمان لا ينفصلان. 4- إنَّ النصر والتمكين في الدنيا للمؤمنين وعدٌ مِن الله - سبحانه وتعالى - وليس ثمرة الجهد البشري المادي فحسب. 5- إنَّ الله وعَدَ المؤمنين أن يُنجز لهم عهدَه إذا أوفوا بعهدهم مع الله. 6- إنَّ أهمَّ أسباب الوفاء: أن تتوافَرَ الخصائص الربَّانية التي أمَر الله بها، فلا بدَّ إذًا أن يكون مِن أهم الأهداف الثابتة في الدعوة الإسلاميَّة بناء الخصائص الإيمانيَّة، وبناء الجِيل المؤمِن الصادِق على هذه الخصائص الإيمانيَّة على طريقِ بناء الأمَّة المسلِمة الواحدة. 7- إذا لم تتوافرْ هذه الخصائص الربَّانيَّة في الأمَّة، فإنَّ الصِّراع يُصبح عندئذٍ بين ظالمين تمضي عليهم سُنن الله الثابتة وحِكمته الغالبة، ونعيد الآية الكريمة للتذكير والتأكيد :
1- {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} الأنعام: 129. 2- وأخيرًا نتلو قوله - سبحانه وتعالى -: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} غافر: 20. إنَّ القضيةَ ليستْ قضيةَ شعارات تدوي ، ولا قضية ارتجال وعواطف هائجة، إنها قضية عقيدة وإيمان ، ونهج وتخطيط، فلا بدَّ في واقعنا اليوم، وواقِع العمل الإسلامي أن نُحوِّل الشعاراتِ إلى نهْج مدروس، وخُطَّة واعية، وعمل متكامل .
والله الموفق ،،
| |
|